القواعد الفقهية (منتقى الاصول) المجلد 4

اشارة

نام كتاب: القواعد الفقهية (منتقى الاصول)

موضوع: قواعد فقهى

نويسنده: قمّى، سيد محمد حسينى روحانى

تاريخ وفات مؤلف: 1418 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 3

ناشر: چاپخانه امير

تاريخ نشر: 1413 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

مقرر: حكيم، شهيد، سيد عبد الصاحب بن سيد محسن طباطبايى

تاريخ وفات مقرر: 1403 ه ق

ملاحظات: قاعده تسامح در ج 4 و ميسور و نفى ضرر در ج 5 و قواعد يد و أصالة الصحة و فراغ و تجاوز و قرعة در ج 7 چاپ شده است

[أصالة عدم التذكية]

و ينبغي التنبيه على أمور:

التنبيه الأول:

أن أصل البراءة إنما يجري فيما إذا لم يكن أصل موضوعي في مورده، لأن الأصل الجاري في الموضوع يتقدم على الأصل الجاري في الحكم بالحكومة أو بالورود- على الخلاف في ذلك-، فان الأصل السببي متقدم على الأصل المسببي بلا كلام، و انما البحث في وجه تقدمه و أنه بالحكومة أو بالورود أو غيرهما؟.

و قد حمل المحقق النائيني عبارة الشيخ «1» على إرادة كل أصل حاكم على أصل البراءة و لو كان جاريا في الحكم كالاستصحاب المثبت للتكليف، لأنه يتقدم على البراءة بلا إشكال «2».

و هذا المعنى و إن كان صحيحا في نفسه، إلا ان حمل كلام الشيخ عليه بلا ملزم، لأنه خلاف الظاهر من كلامه، خصوصا و ان المثال الّذي يدور البحث حوله في المسألة، من قبيل ما إذا جرى الأصل في موضوع الحكم المشكوك، و هو أصالة عدم التذكية.

و على كل حال، فأصل المطلب بنحو الكلية معلوم لا كلام فيه.

إنما الكلام في الفرع المذكور في المسألة، و هو ما إذا شك في حلية حيوان لأجل الشك في التذكية،

فهل تجري أصالة عدم التذكية، و حينئذ لا مجال لأصالة البراءة، أو لا تجري؟. و لا بأس بتفصيل الحديث فيه لعدم التعرض إليه في غير هذا المحل من الأصول.

و قد ذكر: ان الشبهة تارة تكون حكمية. و أخرى موضوعية.

______________________________

(1) الأنصاري المحقق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول- 218- الطبعة الأولى.

(2) الكاظمي الشيخ محمد على. فوائد الأصول 3- 380- طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 495

و الشبهة الحكمية تارة: تنشأ من الشك في قابلية الحيوان للتذكية، فيشك في حليته لذلك، كالحيوان المتولد من الغنم و الكلب و لم يلحق أحدهما في الاسم.

و أخرى يعلم بقابليته للتذكية، لكن يشك في حلية أكل لحمه ذاتا كالأرنب مثلا.

و الشبهة الموضوعية أيضا كذلك، فتارة يشك في حلية لحم الحيوان لأجل الشك في تحقق التذكية. و أخرى يشك فيها لأجل الشك في انه من لحم حيوان محلل الأكل كالغنم، أو محرمة كالفأر، مع العلم بتحقق التذكية.

و لا يخفى ان البحث في جريان أصالة عدم التذكية في مورد الشك فيها من جهة الشبهة الحكمية يتوقف على أمرين:

أحدهما: عدم وجود عموم أو إطلاق يدل على قبول كل حيوان للتذكية إلا ما خرج بالدليل. و إلا كان هذا العموم متكفلا لإثبات القابلية في مورد الشك، فلا مجال للأصل.

و الآخر: ان يفرض كون موضوع حرمة اللحم أمرا عدميا و هو غير المذكى، لا أمرا وجوديا و هو الميتة- بناء على انها أمر وجودي-.

و توضيح ذلك: ان الأقوال في هذا الباب ثلاثة:

فقول: بان موضوع الحرمة و النجاسة هو الميتة، و هي أمر وجودي لازم لعدم التذكية.

و قول: بان موضوع الحرمة و النجاسة أمر عدمي، و هو غير المذكى.

و قول: بالتفصيل بين حرمة الأكل، فموضوعها

الأمر العدمي و النجاسة، فموضوعها الأمر الوجوديّ. و هو المنسوب إلى الشهيد، و لذا حكم بحرمة أكل الحيوان المتولد من حيوانين أحدهما محلل الأكل و الآخر محرمة و لم يلحق أحدهما بالاسم، و طهارته. فإذا كان موضوع الحرمة هو الأمر الوجوديّ لم تنفع أصالة عدم التذكية- على تقدير جريانها- في إثبات الحرمة إلا بناء على الأصل المثبت.

فلا بد من فرض الموضوع غير المذكى كي تترتب الحرمة على أصل عدم التذكية

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 496

من ترتب الحكم على موضوعه.

و إذا تبين ذلك، فنعود إلى أصل الكلام و هو: انه هل تجري أصالة عدم التذكية مع الشك في قابلية الحيوان للتذكية أو لا تجري؟.

ذهب صاحب الكفاية إلى جريانها، و حكم بحرمة اللحم، لأن الحرمة تترتب على غير المذكى كما تترتب على الميتة «1».

و لتحقيق الحال فيما ذهب إليه (قدس سره) نقول: ان المحتملات المذكورة لمعنى التذكية ثلاثة:

الأول: انها عبارة عن المجموع المركب من الأفعال الخاصة- كفري الأوداج بالحديد و البسملة-، و من قابلية المحل، فتكون قابلية المحل مأخوذة في معنى التذكية بنحو الجزئية.

الثاني: انها عبارة عن مجرد الأفعال الخاصة، و لكن بقيد ورودها على المحل القابل، فالقابلية مأخوذة بنحو الشرطية و خارجة أن مفهوم التذكية.

الثالث: انها عبارة عن أمر بسيط وحداني يترتب على الأفعال الخاصة، نظير الطهارة بالنسبة إلى افعال الوضوء.

و لا يخفى انه بناء على الثالث يصح إجراء أصالة عدم التذكية عند الشك في تحققها، لأنها أمر حادث مسبوق بالعدم، فيستصحب مع الشك في ارتفاعه بالوجود، سواء في ذلك موارد الشبهة الحكمية و الموضوعية.

و أما بناء على الأول، فمع الشك في ثبوت القابلية للحيوان، بشكل استصحاب عدمها، لأنه ليس لها حالة سابقة،

بل الحيوان عند وجوده إما ان يكون له قابلية أو لا يكون.

______________________________

(1) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول- 348- طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 497

و ليس وصف المجموع هو الموضوع له كي يستصحب عدمه مع الشك، بل الموضوع له هو ذوات الاجزاء، و التعبير بالمجموع طريقي.

و هكذا الحال بناء على الثاني.

و قد يلتزم بناء على هذين الوجهين بجريان أصالة عدم القابلية بنحو استصحاب العدم الأزلي.

و لكن جريانه يتوقف على مقدمتين:

الأولى: كون موضوع الحرمة هو الحيوان مع عدم التذكية، على ان يؤخذ عدم التذكية بنحو التركيب المعبّر عنه بالعدم المحمولي، لا التوصيف المعبّر عنه بالعدم النعتيّ، إذ قد تقدم أن أساس استصحاب العدم الأزلي هو أن يرد عام ثم يرد خاص فيخصص العام، و يستلزم ذلك تعنون العام بعنوان عدم الخاصّ بنحو التركيب، فيكون موضوع الحكم مركبا من العام و عدم الخاصّ، فإذا أحرز العام بإحراز عدم الخاصّ بالأصل ثبت الحكم، أما إذا أخذ بنحو التوصيف و كان الموضوع هو العام المتصف بعدم الخصوصية، فاستصحاب العدم الأزلي لا ينفع في إثبات الحكم إلا بناء على الأصل المثبت.

الثانية: ان يلتزم في محله يجريان الأصل الأزلي مطلقا، بلا تفصيل بين ما كان الوصف في مرتبة نفس الذات فلا محرز فيه، و ما كان في مرتبة الوجود و من عوارض الوجود فيجري فيه، إذ مع الالتزام بهذا التفصيل- و هو الّذي نختاره بناء على عدم إنكار استصحاب العدم الأزلي رأسا كما قربناه- لا مجال لجريان أصالة عدم القابلية، لأنها عن الأوصاف الذاتيّة و في مرتبة نفس الذات. فأصالة عدم القابلية بنحو استصحاب العدم الأزلي انما تجري بعد فرض هاتين المقدمتين. و

كلاهما محل إشكال.

هذا بالنسبة إلى الشبهة الحكمية.

أما بالنسبة إلى الشبهة الموضوعية، فانما لا تجري أصالة عدم التذكية

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 498

فيها- بناء على هذين الوجهين-.

إذا كان الشك من جهة الشك في القابلية، كما إذا تردد أمر اللحم المطروح بين ان يكون لحم حيوان قابل للتذكية كالغنم، أو لحم حيوان غير قابل للتذكية كالكلب.

أما إذا كان الشك من جهة تحقق بعض الأفعال الخاصة، فلا إشكال في جريان الأصل في نفيها، لأنها أمور حادثة و الأصل عدم الحادث.

ثم إنه ينبغي إيقاع الكلام في ان معنى التذكية أي هذه المعاني الثلاثة، و هل هي اسم للسبب أو للمسبب؟. فنقول:

أما المحتمل الأول، و هو كونها اسم للمجموع المركب من الأفعال الخاصة و القابلية، بحيث تكون القابلية جزء المعنى، فلا يمكن الالتزام به لوضوح ان التذكية من المعاني الحدثية القابلة للاشتقاق، فيشتق منها الفعل و الفاعل و المفعول و غير ذلك من أنحاء الاشتقاقات، و هذا لا يتلاءم مع وضعها للمجموع المركب، لأن القابلية ليست من المعاني الحدثية، بل هي من الجوامد غير القابلة للاشتقاق كما لا يخفى.

و أما المعنى الثاني و هو كونها اسما للافعال الخاصة في المورد القابل، فلا يرد عليه ما ذكر، إذ الموضوع له هو الحصة الخاصة من الأفعال و هي معنى حدثي، نظير وضع البيع لتمليك عين ما، مع ان العين ليست من المعاني الحدثية.

لكن يرد عليه انه لا يتلاءم مع بعض استعمالات لفظ التذكية في النصوص، و ذلك كاستعمالها بإضافتها و نسبتها إلى المورد المعلوم القابلية كالغنم. فيقال: «ذكّاه الذابح»، و في مثله لا يمكن ان يراد منه المعنى المزبور، إذ معناها هو الذبح في المورد القابل، و لا معنى

لأن يراد: «اذبح في المورد القابل الغنم»، لأن معنى:

«ذكّ الغنم» هو ذلك على هذا الوجه. و هو مما لا محصل له.

و أما المعنى الثالث و هو كونه امرا بسيطا مترتبا على الأفعال الخاصة. فقد

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 499

نفاه المحقق النائيني «1» بأنه خلاف ظاهر نسبة التذكية إلى الفاعلين في قوله تعالى: إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ «2».

و ما أفاده يبتني على دعوى ظهور اسناد الفعل في المباشرة خاصة لا الأعم من المباشرة و التسبيب.

و العمدة في نفي المعنى الثالث هو: ان الأمر البسيط المفروض ترتبه على هذه الأفعال الخاصة إما ان يكون امرا واقعيا تكوينيا أو يكون أمرا اعتباريا مجعولا.

أما الأول: فممنوع للجزم بعدم وجود أثر واقعي يختلف الحال فيه وجودا و عدما بقول باسم اللّه و عدمه، بحيث يكون قول باسم اللّه تأثير واقعي فيه.

و أما الثاني: فهو يقتضي فرض حكم وضعي متوسط بين الأفعال الخاصة و الحكم الوضعي بالطهارة و التكليفي بالحلية، و هو مما لا داعي إليه و لا نرى له أثرا مصححا فيكون لغوا.

و إذا ثبت عدم صحة الالتزام بكل هذه المعاني، فقد يلتزم بان التذكية عبارة عن نفس الأفعال الخاصة بلا ان يكون لقابلية المحل دخل في المسمى لا بنحو الجزئية و لا الشرطية. نعم هي شرطه في تأثير الأفعال في ترتب حكم الحلية أو الطهارة. و إلى ذلك ذهب المحقق النائيني «3».

و التحقيق: ان التذكية بمفهومها العرفي عبارة عما يساوق النزاهة و النظافة و الطهارة، و يمكننا ان نقول ان المراد بها في موارد الاستعمالات الشرعية من النصوص و الكتاب هو المعنى العرفي لها فتكون التذكية هي الطهارة، لا أنها موضوع للحكم بالطهارة.

______________________________

(1) الكاظمي الشيخ محمد علي.

فوائد الأصول 3- 380- طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

(2) سورة المائدة، الآية: 3.

(3) الكاظمي الشيخ محمد علي. فوائد الأصول 3- 382- طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 500

و الوجه في ذلك:

أولا: انه لا وجه لصرف اللفظ عما له من المعنى العرفي إلى معنى جديد مستحدث، فانه مما يحتاج إلى قرينة و دليل و هو مفقود في المقام.

و ثانيا: انه لم نعثر- بعد الفحص في النصوص- على مورد رتّب الحكم بالطهارة فيه على التذكية، بحيث يظهر منه أن التذكية غير الطهارة. فهذا مما يشهد بان المراد بالتذكية هو الطهارة. و تكون الأفعال الخاصة دخيلة في تحقق الطهارة بعد الموت، أو فقل دخيلة في بقاء الطهارة إلى ما بعد الموت، لأن الحكم ببقاء الطهارة بيد الشارع و قد رتّبه على الأفعال الخاصة.

و على هذا، فلو شك في قابلية الحيوان للتذكية فهو شك في طهارته بعد الموت بالافعال الخاصة، و مقتضى الاستصحاب بقاء الطهارة، فيكون الأصل متكفلا لإثبات التذكية لا لنفيها.

و بالجملة: الكلام السابق كله يبتني على فرض التذكية أمرا غير الطهارة و الحلية، و لذا جعلت موضوعا لهما، مع أن الواقع خلافه، إذ لم يرد ما يظهر منه ترتيب الطهارة على التذكية بحيث يفرض لها أثران، فالتذكية بحسب ما نراه هي الطهارة لا غير، فيصح لنا ان نقول انها اسم للمسبب لا للسبب، و هو الأفعال الخاصة، و إن أطلق عليها في بعض الأحيان لفظ التذكية، لكنه كإطلاق لفظ التطهير على الغسل، من باب إطلاق لفظ المسبب على السبب و هو كثير عرفا.

نعم يبقى سؤال و هو: ان هذه الأفعال الخاصة يترتب عليها في بعض الحيوانات الحلية و الطهارة كالغنم، و في بعض آخر

الطهارة فقط كالسباع، و في بعض ثالث يترتب عليها الحية دون الطهارة كالسمك، فانه طاهر مطلقا و لو بعد الموت، و انما يترتب على الأفعال الخاصة فيه الحلية، و اما طهارته فهي ثابتة أجريت الأفعال الخاصة أو لا، مع أنه قد عبّر عن إخراجه من الماء حيا بالذكاة،

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 501

فانه يكشف عن ان التذكية غير الطهارة، إذ هي متحققة و لو لم يتحقق إخراجه حيا من الماء.

و الجواب: أنه بعد ورود التعبير بالذكاة عن الطهارة كما ورد في مطهرية الشمس «1»، و ورود النص في خصوص السمك بان اللّه سبحانه قد ذكّاه «2»، أو أنه ذكيّ «3»، يسهل الحال في التعبير بالذكاة عن إخراجه حيّا.

و ذلك لأن حلية الأكل في سائر الحيوانات تترتب على طهارته المرادة من التذكية. أما السمك فلا تترتب الحلية فيه على الطهارة، لأنه طاهر و لو كان ميتة، و إنما تترتب الحلية فيه على أمر آخر و هو إخراجه من الماء حيّا- مثلا-.

و عليه، نقول: بعد فرض التعبير عن الطهارة بالتذكية في خصوص السمك و في غيره، و بعد فرض أن أثر الطهارة في غير مورد السمك هو حلية الأكل لم يكن خلاف المتعارف أن يعبر عن موضوع الحلية في السمك بالتذكية من باب التنزيل و الحكومة، بل هو من المتداول عرفا، فإذا كان من المتعارف أن تكون الأجرة على عمل ما دينارا، فإذا لم يرد الأجير ان يأخذ الدينار و انما أراد شيئا آخر، فقد يقول: أجرتي ان تكون أخلاقك حسنة- مثلا-، أو غير ذلك.

و عليه، فالتعبير بالتذكية عن إخراج السمك من الماء حيا تعبير من باب التنزيل و الحكومة. و هو مما لا مانع

منه عرفا، و يحمل عليه الكلام قهرا للمناسبة المزبورة. فلاحظ.

و بالجملة: لا نرى ما يصرف لفظ التذكية عن معناه العرفي، فلا محيص عن الالتزام بان المراد بها هو الطهارة و انها ليست شيئا آخر غير الطهارة كما عليه القوم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: باب 29 من أبواب النجاسات.

(2) مجمع البحرين: مادة ذكا.

(3) وسائل الشيعة: 26- 360 باب 31.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 502

و أما قابلية المحل: فهي مما لا محصل له بحسب مقام الإثبات، فان الالتزام بوجود أمر غير الأفعال الخاصة و غير خصوصية الحيوان من كونه غنما أو غيره يعبر عنه بقابلية المحل، بحيث يكون محلا للنفي و الإثبات، مما لا وجه له أصلا و لا موهم له من نصّ و غيره. فما الفرق بين اللحوم و بين سائر موضوعات التحريم أو الحلية المأخوذ فيها قيود خاصة، فلم لا يلتزم بمثل ذلك في مثل العنب إذا غلى الّذي تترتب عليه الحرمة و نحوه. فليس لدينا سوى الذات الخاصة التي يترتب عليها الحكم التكليفي من حلية و حرمة بقيود خاصة معلومة من فري الأوداج و ذكر اللّه تعالى و الاستقبال. و بتعبير آخر الّذي يلتزم به هو ان الموضوع للحلية و هو الذات مع أفعال خاصة من الذبح أو النحر أو الفري أو الإخراج من الماء حيا بقيود خاصة. أما قابلية المحل فهو، أمر وهمي لا دليل عليه و لا موهم له و لو ظنا، ففرض ثبوت وصف القابلية و إيقاع البحث في نفيه و إثباته بالأصل العملي، و الكلام في صحة إجراء الأصل فيه، أمر لا نعرف وجهه و مدركه.

و إلى ما ذكرنا أشار المحقق الأصفهاني، و لكنه ببيان يختلف عن البيان الّذي ذكرناه،

فلاحظ و تدبر «1».

و على أي حال، فقد عرفت المقصود بالتذكية و تحقيق حالها.

و بعد ذلك يقع الكلام- بناء على مسلك القوم من ترتيب أثرين على التذكية- كما إذا أخذت التذكية بمعنى الأفعال الخاصة من الذبح أو النحر- هما الحلية و الطهارة، و أثرين على عدمها و هما الحرمة و النجاسة- في: أن موضوع الحرمة و النجاسة و موضوع الحلية و الطهارة هل هو أمر وجودي أو أمر عدمي أو التفكيك بين الحرمة و النجاسة، فيلتزم بترتب النجاسة على عنوان وجودي فقط

______________________________

(1) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية 2- 211- الطبعة الأولى.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 503

و ترتب الحرمة على عنوان عدمي.

ثم بناء على أنه أمر عدمي، فأخذه يتصور على وجوه، من كونه بمفاد ليس التامة، أو بمفاد ليس الناقصة، أو بنحو عدم الملكة. و قد عرفت الأثر العملي لهذا البحث.

و على كل، فأساس الحديث في ان موضوع النجاسة و الحرمة هل واحد أو أنه متعدد، فموضوع النجاسة أمر وجودي و موضوع الحرمة أمر عدمي؟.

قد يلتزم بأن موضوع النجاسة أمر وجودي، و هو عنوان الميتة فإنه عنوان لما مات حتف أنفه لا كل ميت، و لذا عطف عليه في الآية الشريفة الموقوذة و المتردية و غيرهما «1»، و بما أنه لا يمكن الالتزام بأن موضوع النجاسة خصوص ما مات حتف أنفه، يلتزم بأنه الميتة عبارة عن كلّ ما مات بغير سبب مصحح.

فان الميتة بلحاظ هيئتها الخاصة لا تساوق مطلق الميّت، و إنما تساوق الميت المشوب بالاستقذار العرفي و الاشمئزاز النفسيّ، و هو كل ما مات بغير سبب يصح أكله و يرفع جهة الاستقذار فيه، على اختلاف مصاديق ذلك بلحاظ اختلاف الشرائع

و العادات فيه.

و بالجملة: الّذي يلتزم به القائل هو أن موضوع النجاسة هو الميتة، و هي تعبر عن أمر وجودي و هو زهاق الروح بغير سبب مصحح. و لم يرد في النص أخذ غير المذكى أو نحوه من العناوين العدمية في موضوع النجاسة، بل هي محمولة في النصوص على عنوان الميتة.

و يمكن المناقشة فيه:

أولا: بان النجاسة لم تحمل في النصوص على خصوص عنوان الميتة، بل كما حملت على عنوان الميتة حملت أيضا على عنوان الميّت و عنوان ما مات

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية: 3

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 504

و نحوهما. و من الواضح انه عنوان مطلق يشمل كل غير ذي روح، سواء كان زهاق روحه لنفسه أو بسبب مصحح أو غير مصحح، و مقتضاه نجاسة المذكى كغير المذكى، لكن قيام الدليل على تخصيصه بالمذكى و إخراجه عنه يستلزم تقييد موضوع الحكم بغير موارد التذكية، و لازم ذلك أخذ عدم التذكية في موضوع النجاسة.

و ثانيا: ان مفهوم قوله عليه السلام في النص: «إذا سميت و رميت فانتفع به» «1» هو حرمة الانتفاع- لأجل النجاسة، لأنه ظاهر محور السؤال- مع عدم التسمية أو الرمي، و هو ظاهر في تعليق النجاسة على أمر عدمي رأسا، فلو لم نلتزم بان موضوع النجاسة مطلق الميت، بل خصوص الميتة بالمعنى المزبور، كفانا في إثبات أخذ الأمر العدمي في موضوع النجاسة مفهوم النص المزبور.

و عليه، فيثبت لدينا انه قد أخذ في موضوع النجاسة جهة عدمية، كعدم الذبح أو الرمي أو التسمية، أو غير ذلك من شرائط التذكية.

و أما الحرمة، فقد رتبت على أمر وجودي كالميتة، كما رتبت على أمر عدمي كما لم يذكر اسم اللّه عليه.

فلا فرق بين النجاسة و

الحرمة في الموضوع، بل هما مترتبان على أمر وجودي في بعض الأدلة و على أمر عدمي في بعض آخر.

هذا، و لكن نقول انه بناء على ان الميتة عنوان وجودي، و هو ما زهقت روحه بغير سبب مصحح، و عدم رجوعه إلى امر عدمي، و هو غير المذكى، كي يكون الموضوع في الحكمين خصوص الأمر العدمي، بناء على ذلك المستلزم لتعدد موضوع الحرمة و النجاسة في لسان الدليل، و بعد فرض ملازمة العنوان الوجوديّ مع العنوان العدمي، لا بد من رفع اليد عن موضوعية أحد هذين

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 16- 278- الحديث 7 مضمونا.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 505

الموضوعين، إذ من المعلوم انه ليس لدينا إلا حرمة و نجاسة واحدة، و ليس لدينا حرمتان إحداهما موضوعها الميتة و الأخرى موضوعها غير المذكى، ففي مثل هذه الحال لا يرى العرف الا كون الموضوع الواقعي واحدا، و ان التعبير بالآخر لأجل ملازمته لموضوع الواقعي.

و عليه، فهل يرى في مثل ذلك ان الأصالة للأمر الوجوديّ و يكون الأمر العدمي تابعا، أو لا؟.

و لا يخفى انه لو لم نجزم بان العرف يقضي في مثل هذه الموارد بان الموضوع هو الأمر الوجوديّ، كفانا التشكيك فيه في نفي ترتب الأثر المطلوب، إذ على هذا لا يمكننا إثبات الحرمة و لا النجاسة بأصالة عدم التذكية- في مورد تجري في نفسها- إذ لا يعلم ان الحرمة و النجاسة من آثار عدم التذكية كي تترتبان على الأصل المزبور، بل يحتمل ان يكون الأصل من الأصول المثبتة، باعتبار ان موضوع الحرمة و النجاسة أمر وجودي لا يثبت بالأصل المزبور إلا بالملازمة.

ثم إنه لو ثبت أن الجهة العدمية دخيلة في موضوع الحرمة و النجاسة، فذلك

يتصور على وجوه الإن المقسم الّذي يلحظ بالنسبة إلى المذكى و غيره ..

إما ان يكون ذات الحيوان، فيكون الحيوان المذكى حلالا و الحيوان غير المذكى حراما.

و أما ان يكون المقسم ما زهقت روحه لا ذات الحيوان، و هو يتصور على وجهين:

أحدهما: أن يكون قيدا للموضوع و يكون الشرط هو التذكية و عدمها، فمثلا يكون موضوع الحلية و هو ما زهقت روحه إن كان مستندا إلى التذكية، و موضوع الحرمة ما زهقت روحه ان لم يكن بسبب التذكية.

و الآخر: ان يؤخذ في الشرط بأن يكون موضوع الحلية هو الحيوان ان

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 506

زهقت روحه بالتذكية، و موضوع الحرمة هو الحيوان ان زهقت روحه بغير التذكية.

فالوجوه المتصورة ثبوتا ثلاثة.

و الثمرة الظاهرة في اختلاف الوجوه، هو انه على فرض أخذ المقسم هو الحيوان و كان الشرط هو التذكية و عدمها، فالحرمة مترتبة على الحيوان إن لم يذك كما إذا لم يذبح. فمع الشك في تحقق الذبح أو غيره من الشرائط صح جريان أصالة عدم تحقق التذكية في الحيوان، لأنها مسبوقة بالعدم، و ترتب على ذلك ثبوت الحرمة.

و أما على فرض أخذ زهاق الروح في المقسم، فان أخذ في الشرط فالحال كذلك أيضا للشك في تحقق إزهاق الروح الخاصّ، فيستصحب عدمه.

و أما إذا أخذ في الموضوع، فلا مجال لجريان الأصل، إذ المشكوك هو استناد زهاق الروح للتذكية، و هو مما لا حالة سابقة له كما لا يخفى، فلا يجري أصل عدم التذكية.

و إذا عرفت أثر هذه الوجوه فيقع الكلام في اختيار أحدها بلحاظ مقام الإثبات.

و التحقيق هو ان زهاق الروح المسبب عن الأفعال الخاصة دخيل قطعا في ثبوت الحكم، أما أصل الموت فلأنه من

المعلوم من النص عدم حلية اللحم بمجرد ورود الذبح عليه قبل موته، بل انما يحل إذا مات. و اما اعتبار استناد الموت إلى الذبح و نحوه، فلان قوله عليه السلام: «ان سميت و رميت فانتفع به» و ان كان مطلقا من هذه الجهة، إلا انه من المعلوم بالضرورة الفقهية انه يعتبر استناد الموت إلى الفعل الخاصّ من الرمي و الذبح و نحوهما، بحيث إذا استند إلى غيرها- كما لو خنقه بعد الذبح- لم ينفع في ثبوت الحلية و لو تحققت هذه الأفعال. اذن فيندفع الاحتمال الأول.

و يدور الأمر بين الاحتمالين الآخرين فلو لم نقل بظهور أخذ زهاق

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 507

الروح في الموضوع و كون الشرط مجرد استناده إلى الذبح و عدمه، فلا أقل من التشكيك فيه، و هو يكفينا في منع جريان أصالة عدم التذكية كما لا يخفى.

و الّذي ينتج مما ذكرناه بمجموعه: أنه لا مجال لأصالة عدم التذكية في حال من الأحوال.

أما في الشبهة الحكمية، فلأن الشك لا يكون إلا في الحكم الشرعي من الحلية و الطهارة، و لا يتصور الشك في موضوعه، لأنه إذا فرضنا ان حيوانا معلوم الاسم أجرينا عليه الذبح بشرائطه المعتبرة، و شككنا في حلية أكل لحمه، فلا شك لدينا في الموضوع للعلم بخصوصية الحيوان و بإجراء التذكية عليه، فإذا كان هناك شك فهو شك في جعل الحلية له. و من الواضح أنه مجرى أصالة الحلّ، كما انه مجرى لاستصحاب الطهارة قبل الموت. فلا شك في الموضوع كي يجري فيه الأصل الحاكم على أصالة الحلّ.

نعم بناء على أخذ القابلية و الشك فيها، أو كون التذكية معنى اعتباريا مسببا عن الأفعال الخاصة و موضوعا للطهارة و

الحلية و تحقق الشك فيها، كان للأصل الموضوعي مجال.

و لكن عرفت ان حديث القابلية لا أساس له، و ان فرض التذكية أمرا اعتباريا مسببا عن الأفعال الخاصة، و يكون موضوعا للطهارة و الحلية مما لا دليل عليه بتاتا، بل لم يرد في النصوص أخذ التذكية في موضوع الطهارة أصلا.

و على كل، فيتمحص الشك في موارد الشبهة الحكمية بالشك في الحكم الشرعي و لا شك في الموضوع أصلا.

و أما في الشبهة الموضوعية، فالشك في الموضوع قد يتحقق، كما إذا شك في تحقق الذبح أو التسمية أو الاستقبال أو غيرها من شرائط الحلية.

إلا انه لا ينفع استصحاب عدمه في ترتيب الحرمة و الحكومة على أصالة الحل، لاحتمال كون الموضوع للحرمة أمرا وجوديا لا يثبت بالأصل إلا بالملازمة،

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 508

من باب ان نفي أحد الضدين يلازم ثبوت الضد الآخر.

و على تقدير أنه عدمي، فقد عرفت أن موضوع الحلية ليس هو الحيوان مع ورود الأفعال الخاصة كالذبح عليه، بل هو الحيوان الميت مع استناد الموت إلى الذبح، و مقتضى ذلك ان يكون موضوع الحرمة هو الميت، بلا استناد الموت إلى السبب الشرعي، و هذا ثبوتا يتصور على وجوه ثلاثة:

الأول: ان يكون الموضوع امرا وجوديا كما إذا كانت الحرمة مرتبة على الميّت المستند موته إلى سبب غير السبب الشرعي.

الثاني: ان يكون امرا عدميا مأخوذا بنحو العدم النعتيّ، كما إذا كانت الحرمة مرتبة على الميت الّذي لم يمت بسبب شرعي.

الثالث: ان يكون الموضوع عدميا مأخوذا بنحو العدم المحمولي و بنحو التركيب، بان يكون المجموع المركب من الموت و عدم الذبح الشرعي موضوعا للحرمة.

و لا يخفى أن أصالة عدم الذبح الشرعي لا ينفع بناء على الأول، إذ

الموضوع للحرمة جهة وجودية ملازمة لذلك.

كما لا ينفع على الثاني، إذ ليس للموت حالة سابقة كي يستصحب اتصافه بعدم استناده إلى السبب الشرعي، إذ هو حين تحقق لا يخلو إما ان يكون مستندا إلى سبب شرعي أو غير مستند.

نعم، ينفع الأصل من باب استصحاب العدم الأزلي بناء على الثالث لإحراز أحد الجزءين بالوجدان و هو الموت و الآخر بالأصل و هو عدم تحقق الذبح الشرعي.

هذا بملاحظة مقام الثبوت.

أما بملاحظة مقام الإثبات، فمع التنزل عن كون الموضوع امرا وجوديا و الالتزام بأنه أمر عدمي، فظاهر الدليل الدال على أخذ القيد العدمي أنه مأخوذ

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 509

بنحو التوصيف و العدم النعتيّ كقوله تعالى: وَ لٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ «1».

و لو تنزل عن ذلك فلا أقل من التشكيك و عدم ثبوت أحد النحوين، و هو كاف في عدم جريان الأصل.

و دعوى: انه مع الشك و دوران الأمر بين أخذ العدم بنحو العدم النعتيّ و أخذه بنحو العدم المحمولي، فالأصل يعيّن الثاني.

مندفعة: بان المقصود بالأصل إما الأصل اللفظي و هو الإطلاق. و إما الأصل العملي.

أما الإطلاق بلحاظ ان أخذ خصوصية الاتصاف مئونة زائدة. ففيه: انه لا ينفي أخذ الاتصاف في موضوع الحكم. و ذلك لأنه بعد ان علم بدخالة الوصف مع الذات في ثبوت الحكم. و من الواضح أيضا انه مع تحقق الوصف واقعا يتحقق الاتصاف قهرا و لا يمكن تخلفه عنه، فلا معنى للإطلاق حينئذ، إذ مفاد الإطلاق هو ثبوت الحكم في مورد وجود الخصوصية المشكوكة و مورد عدمها، و تسوية الحكم لكلتا الحالتين، و هذا مما يعلم بعدمه هاهنا، للعلم بان الحكم لا يثبت إلا في مورد تحقق

الاتصاف- و ان شك في دخالته- لأنه صفة لازمة للوصف المفروض كونه دخيلا، فلا معنى للتمسك بالإطلاق لنفي دخالة الاتصاف، كما هو الحال في مطلق الصفات اللازمة لموضوع الحكم، فانه يمتنع التمسك بالإطلاق لنفي دخالتها في الموضوع.

و أما الأصل العملي، فان أريد به التمسك بالبراءة في نفي دخالة خصوصية الاتصاف، لأنها مجهولة. ففيه: ان البراءة لا تجري في تحديد الموضوع.

و انما تجري في متعلقات الأحكام. و ان أريد به التمسك باستصحاب عدم ملاحظة

______________________________

(1) سورة الأنعام، الآية: 121.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 510

خصوصية الاتصاف. فهو معارض باستصحاب عدم ملاحظة الوصف مع الذات بنحو التركيب، لأنها ملاحظة حادثة و الأصل عدمها.

و عليه، فلا طريق لدينا لإثبات أحد النحوين، و هو يستلزم التوقف في إجراء أصالة عدم التذكية.

و بذلك تعرف ان أصالة عدم التذكية مما لا أساس له.

نعم، ورد في النصوص «1» ما يدل على أن حلية الأكل مترتبة على اليقين و العلم بالتذكية، و انه مع الجهل لا يحل اللحم، و بذلك لا مجال لإجراء أصالة الحلّ في اللحم المشتبه بالشبهة الموضوعية، و إن لم تجر أصالة عدم التذكية.

إلا ان الّذي تتكفله النصوص نفي الحلية مع الجهل لا نفي الطهارة، فلا مانع من التمسك بأصالة الطهارة في اللحم المشتبه و إن حرم أكله لأجل النص.

فلاحظ و تدبر جيدا.

هذا تمام الكلام في تحقيق الحال في أصالة عدم التذكية.

يبقى الكلام فيما أفاده صاحب الكفاية في صور الشبهة الحكمية. فقد ذكر (قدس سره): ان الشبهة تارة تكون حكمية. و أخرى موضوعية.

أما الشبهة الحكمية، فصور الشك فيها ثلاث:

الأولى: ان يشك في حلية اللحم لأجل الشك في قابليته للتذكية، و قد أجرى فيها أصالة عدم التذكية الراجع إلى أصالة

عدم القابلية الحاكم على أصالة الحل في اللحم.

الثانية: ان يشك في حلية اللحم مع علمه بقبوله للتذكية، و قد أجرى هاهنا أصالة الإباحة كسائر ما شك في حليته و حرمته لعدم أصل موضوعي حاكم على أصالة الحلّ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 16- 323- باب 13.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 511

الثالثة: ان يشك في حلية اللحم للشك في زوال قابليته للتذكية بعروض عارض كالجلل إذا شك في مانعيته للتذكية، و قد فرض هذه الصورة مما يوجد أصل موضوعي حاكم على أصالة عدم التذكية.

ثم أجرى استصحاب حلية الحيوان بالفري شرائطه الثابتة قبل الجلل فيما بعد الجلل. و هو استصحاب للحكم التعليقي بهذا التصوير كما لا يخفى.

و بعد ان ذكر هذه الصور للشبهة الحكمية، عطف عليها الشبهة الموضوعية، و ان الشك فيها تارة: يكون لأجل الشك في تحقق ما يعتبر في التذكية شرعا، كالشك في تحقق التسمية، فأصالة عدم التذكية محكمة. و أخرى: يكون لأجل الشك في طروء ما يعلم مانعيته للتذكية كالشك في تحقق الجلل على تقدير مانعيته، فأصالة قبوله للتذكية محكمة. هذا ما أفاده (قدس سره) «1».

و قد عرفت الكلام في الصورة الأولى من صور الشبهة الحكمية و صورتي الشبهة الموضوعية.

أما الصورة الثانية من صور الشبهة الحكمية ..

فقد أورد عليه المحقق الأصفهاني بان الخصوصية المفروضة في الحيوان تختلف بحسب الأثر. فتارة: يترتب عليها الطهارة و الحلية كما في الغنم. و أخرى:

يترتب عليها الطهارة فقط دون الحلية كما في السباع. و ثالثة: يترتب عليها الحلية دون الطهارة كما في السمك، فان ميتته طاهرة، فلا ترتبط الطهارة بتذكيته، و هذا مما يكشف ان الخصوصية المؤثرة في الطهارة غير الخصوصية المؤثرة في الحلية.

و عليه، فالشك في الحلية ينشأ من

الشك في ثبوت الخصوصية المؤثرة فيها، و ان علم بثبوت الخصوصية المؤثرة في الطهارة، و معه لا مجال لأصالة الحل، بل تجري أصالة عدم تلك الخصوصية الحاكمة على أصالة الحل كالصورة الأولى.

______________________________

(1) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول- 348- طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 512

هذا بناء على مسلك صاحب الكفاية من فرض خصوصية وراء الأفعال الخاصة و ذات الحيوان، يصطلح عليها بقابلية التذكية.

و هكذا الحال بناء على مسلكنا- الضمير يرجع إلى المحقق الأصفهاني- من إنكار فرض القابلية و الالتزام بأن التذكية عبارة عن أمر اعتباري بسيط يترتب على الأفعال الخاصة، و أثره الطهارة و الحلية أو أحدهما، لأنه يشك في تحققه في هذا المقام فيجري الأصل في نفيه. إذن فأصالة عدم التذكية هو المحكّم في هذه الصورة «1».

و أما الصورة الثالثة: فيرد عليه:

أولا: ان ظاهر كلامه هو إجراء الأصل في الحكم التعليقي مع انه له مجال في نفس الموضوع بان يجري في نفس القابلية، لأنها محرزة الثبوت سابقا فتستصحب، فكما أجرى استصحاب عدم التذكية في الصورة الأولى كان عليه ان يجري استصحاب التذكية في هذه الصورة. مضافا إلى ما في استصحاب الحكم التعليقي من كلام طويل بين الاعلام، فقد وقع الكلام في أصل جريانه و في معارضته بالاستصحاب التنجيزي دائما. فاختياره للاستصحاب التعليقي في غير محله.

و ثانيا: انه فرض ان المورد من موارد وجود الأصل الموضوعي بالنسبة إلى أصالة عدم التذكية. فان أراد إجراء أصالة قابلية الحيوان للتذكية، فهو ليس في موضوع عدم التذكية، بل هو الطرف النقيض لعدم التذكية، و الأصل الجاري في الوجود لا يكون أصلا موضوعيا بالنسبة إلى الأصل الجاري في العدم. و إن

أراد إجراء الاستصحاب التعليقي، فهو لا يكون أصلا موضوعيا، بل هو أصل حكمي كما لا يخفى.

______________________________

(1) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية 2- 213- الطبعة الأولى.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 513

و من هنا يعرف الحال في نظير هذه الصورة من الشبهة الموضوعية. فتدبر.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 518

«التسامح في أدلة السنن»

اشارة

و من هنا ظهر: انه لو قيل بدلالة اخبار من بلغ على استحباب العمل الّذي بلغ عليه الثواب لما كان ينفع ذلك في جريان الاحتياط في تلك الموارد، بل كان الفعل مستحبا كسائر ما قام الدليل على استحبابه.

و بما أنه قد وردت الإشارة إلى وجود ما يدل على استحباب العمل البالغ عليه الثواب، و يعبر عنه ب: «اخبار من بلغ». فقد جرت عادة الاعلام على تفصيل الكلام في ذلك.

و إن كان أجنبيا عن المقام.

و نحن نجري على ما نهج عليه من سبقنا، فنوقع البحث في ذلك، فنقول- و على اللّه الاتكال و منه نستمد العصمة و السداد-.

انه قد وردت نصوص متعددة تتضمن ان من بلغه ثواب على عمل أو شي ء من الثواب فعمله كان له ذلك الثواب و ان لم يكن الأمر كما بلغه ..

فمنها: صحيحة هشام بن سالم المحكية عن المحاسن عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من بلغه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله شي ء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له و إن كان رسول اللّٰه صلّى اللّه عليه و آله لم يقله» «1».

و قد استفاد المشهور منها- على ما قيل- حجية الخبر الضعيف في إثبات الاستحباب للفعل. كما ذهب البعض إلى انها تدل على استحباب الفعل الّذي قام على استحبابه خبر ضعيف، و إن لم يكن

الخبر حجة.

و هذا الاختلاف الراجع إلى ان المستفاد من النصوص مسألة أصولية أو

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1- باب: 18 من أبواب مقدمة العبادات.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 519

مسألة فقهية، و إن لم يكن عديم الأثر كما ستعرف في بعض تنبيهات المسألة، و لكن لا نوقع البحث فيه، إذ الالتزام بإفادتها مسألة أصولية لا يستند على أساس وجيه حتى يحرر البحث فيه، فالبحث إنما يقع في انها هل تدل على استحباب العمل الّذي دل الخبر على استحبابه، أو انها لا تدل على شي ء من ذلك، بل غاية ما تدل عليه هو حسن الانقياد شرعا و ترتب الثواب عليه كما هو مذهب طائفة من الأعلام؟.

و قبل الشروع في بيان جهة الاختلاف و منشئه و ترجيح أحدهما على الآخر، ينبغي ان ننبّه على شي ء و هو: أنه لدينا كبرى مسلمة، و هي انه إذا ورد دليل يتكفل ترتيب الثواب على عمل لا اقتضاء فيه في حد نفسه للثواب، كان ذلك الدليل كاشفا عن ثبوت الأمر و تعلقه بذلك العمل، و لذا يقع كثيرا بيان الأمر ببيان ترتب الثواب على العمل.

كما أنه لا يستظهر تعلق الأمر بالعمل إذا كان له اقتضاء في نفسه لترتب الثواب كالانقياد.

و هذه الكبرى غير قابلة للمناقشة. إذا عرفت ذلك فاعرف ان البحث فيما نحن فيه صغروي، يقع في ان موضوع ترتب الثواب في هذه النصوص من أي النحوين؟.

فالوجه في الاختلاف هو: ان النصوص المزبورة هل تتكفل ترتيب الثواب على ذات العمل الّذي بلغ الثواب عليه، أو تتكفل جعله على العمل الخاصّ و هو المأتي به بداعي احتمال الأمر- بهذا القيد-؟.

فعلى الأول تدل على استحباب العمل لعدم الوجه في ترتب الثواب على ذات

العمل سوى تعلق الأمر به، فيكون نظير: «من سرح لحيته فله كذا» في استفادة استحباب تسريح اللحية.

و أما على الثاني، فلا تدل على استحباب العمل، لوجود المقتضي للثواب

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 520

مع قطع النّظر عن الأمر، و هو الانقياد، و لو فرض استظهار الاستحباب منها كانت دالة على استحباب الاحتياط لا نفس العمل.

و الوجه الموجب لدعوى ان الثواب مرتب على العمل المقيد بداعي احتمال الأمر لا ذات العمل، هو ظهور الفاء في قوله: «فعمله» في كونه تفريعا على بلوغ الثواب، و هو ظاهر في داعوية تحصيل الثواب لتحقق العمل.

و ناقشه المحقق الأصفهاني رحمه اللّه: بان التفريع على قسمين:

أحدهما: تفريع المعلول على علته الغائية، و معناه هنا انبعاث العمل عن الثواب المحتمل.

و الآخر: التفريع بمعنى ترتيب أحدهما على الآخر، بلا ان يكون المرتّب عليه علة غائية للمرتّب نظير قول القائل: «سمع الأذان فبادر إلى المسجد»، فان الداعي للمبادرة هو تحصيل فضيلة المبادرة لاستماع الأذان. و ما نحن فيه قابل للحمل على ذلك بلحاظ ترتب العمل على بلوغ الثواب لتقوم العمل المترتب عليه الثواب ببلوغ الثواب.

و عليه، فمجرد كون الفاء للتفريع لا يعيّن القسم الأول، فلا وجه لاستظهار أخذ داعوية الثواب في موضوع ترتب الثواب «1».

و فيه: ان ما أفاده من تقسيم التفريع إلى قسمين متين، لكن الّذي يظهر من مثل هذا التعبير هو كون الاندفاع نحو العمل لأجل تحصيل الثواب، فالظاهر من التفريع هاهنا هو القسم الأول منهما.

و المثال المذكور لا يصلح نقضا لعدم تصور داعوية سماع الأذان للمبادرة، إذ الداعي ما يكون بوجوده العيني مترتبا على العمل، و بوجوده الذهني سابقا عليه، و سماع الأذان لا يترتب خارجا على المبادرة.

______________________________

(1) الأصفهاني

المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية 2- 221- الطبعة الأولى.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 521

و أما ما حكي عن الشيخ من إنكار كون الفاء للتفريع و السببية، بل هي عاطفة «1». فقد ردّه الأصفهاني: بأنه خلاف الاصطلاح لعدم التقابل بين السببية و العطف، بل العاطفة تارة للسببية. و أخرى للترتيب. و ثالثة للتعقيب «2».

و بالجملة: لا يسعنا إلا الالتزام بأن الفاء في النص ظاهرة في تفرع العمل عن الثواب بنحو يكون الثواب داعيا للعمل.

و مقتضى ما تقدم الالتزام بان الثواب مترتب على العمل المقيّد، فلا دلالة له على الاستحباب.

لكن المحقق صاحب الكفاية ذهب إلى: أن ظاهر النص ترتب الثواب على ذات العمل، و لو كانت الفاء للتفريع و ظاهرة في داعوية الثواب إليه، و لا منافاة بينهما، و من هنا التزم بدلالة النص على استحباب ذات العمل «3».

و قد قرّبه المحقق الأصفهاني بما لا يخلو عن إشكال بل منع، فقد ذكر في مقام تقريبه: ان الظاهر من الثواب البالغ هو الثواب على العمل بذاته لا بداعي الثواب المحتمل، لأن مضمون الخبر الضعيف هو ذلك، كمضمون الخبر الصحيح، و هذا الطور لا ريب فيه.

كما أن الظاهر من أخبار من بلغ هو كونها في مقام تقرير ذلك الثواب البالغ و تثبيته، و مقتضى ذلك ثبوته لنفس العمل، لأنه هو الّذي بلغ الثواب عليه، فلو ثبت الثواب- باخبار من بلغ- لغير ذات العمل لزم أن يكون ثوابا آخر لموضوع آخر، و هو ينافي ظهور الاخبار في إثبات نفس ذلك الثواب البالغ المفروض كون موضوعه هو ذات العمل.

و لا ينافي هذا الظهور ظهور الفاء في التفريع الظاهر في داعوية الثواب

______________________________

(1) رسالة التسامح للشيخ الأنصاري.

(2) الأصفهاني المحقق

الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية 2- 221- الطبعة الأولى.

(3) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول- 353- طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 522

للعمل. ببيان: أن الداعي إلى العمل يمتنع أن يصير من وجوه و عناوين ما يدعو إليه، بحيث يتعنون العمل المدعو إليه بعنوان من قبل نفس الداعي، إذ الفرض ان العنوان ينشأ من دعوة الشي ء، فيمتنع ان يكون مقوما لمتعلق الدعوة و للمدعو إليه كما هو واضح جدا.

و عليه، فما يدعو إليه الثواب هو ذات العمل، و يستحيل ان يكون هو العمل الخاصّ المتخصص بخصوصية ناشئة من قبل دعوة الثواب، كخصوصية كونه انقيادا أو احتياطا، فما يدعوا إليه الثواب ليس هو الانقياد، و انما الانقياد يتحقق بإتيان ذات العمل بداعي احتمال الأمر، فهو متأخر عن دعوة احتمال الأمر فيمتنع أن يؤخذ في متعلق دعوته.

و عليه، فالثواب المترتب إنما رتب على ما دعى إليه احتمال الأمر، و هو ذات العمل لا العمل المقيد بالاحتمال و لا ما يتعنون بعنوان الانقياد. فالالتزام بظهور الفاء في إتيان العمل بداعي احتمال الثواب لا ينافي ظهور النصوص في ترتب الثواب على ذات العمل المدعو إليه، بعد ان لم تكن الدعوة موجبة لتغير عنوان المدعو إليه من قبل نفس دعوة احتمال الأمر.

هذا تقريب كلام صاحب الكفاية بحسب ما أفاده الأصفهاني (قدس سره) «1».

و هو كما أشرنا إليه غير خال عن الإشكال، لأنه بنى الاستدلال على ظهور النصوص في وحدة الثواب المجعول مع الثواب البالغ، و هو يقتضي وحدة الموضوع.

و هذا هو مركز إشكالنا، فان ظهور الكلام في وحدة الثواب لا يعنى إرادة الوحدة الشخصية المتحققة بالمحافظة على تمام الخصوصيات البالغة من حيث

______________________________

(1)

الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية 2- 121- الطبعة الأولى.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 523

المتعلق و غيره، بل يراد به الوحدة من حيث الجنس، بمعنى ان نفس ذلك الثواب يحصله المكلّف سواء كان على نفس ذلك العمل أم على أمر آخر ملازم له، فالمنظور إثبات الثواب البالغ بكمه و كيفه لا أكثر. فتدبر.

و التحقيق في توجيه مرام الكفاية: أن يقال: إن تمامية ما أفاده تبتني على مقدمات غير موضحة بتمامها في الكفاية، بل قد طوي بعضها و هي:

أولا: ان الظاهري في موارد العطف بفاء التفريع على مدخول أداة الشرط، هو ارتباط الحكم الثابت في الجزاء بمدخول الفاء، و ان ما قبله ذكر توطئة و تمهيدا، كما لو قال: «إذا رأيت زيدا فاحترمته كان لك كذا»، فان ظاهر الكلام ان رؤية زيد ذكرت توطئة لذكر موضوع الحكم.

و ثانيا: ان ظاهر الكلام في مثل ذلك أن ما يكون مدخول الفاء هو تمام الموضوع بلا دخل لغيره فيه.

و ثالثا: ما تقدم من أن متعلق الداعي يمتنع ان يكون معنونا بعنوان من قبل الداعي، و قد أوضحنا ذلك فلا نعيد.

إذا تمت هذه المقدمات نقول: ان مقتضى المقدمة الأولى هو دخالة العمل في ترتب الثواب الّذي هو مدخول الفاء. و مقتضى المقدمة الثالثة ان مدخول الفاء هو ذات العمل لا العمل الخاصّ، لأن الخصوصية ناشئة من قبل الداعي فلا يعقل ان تكون مأخوذة في متعلق الداعي. و مقتضى المقدمة الثانية هو كون الثواب مترتبا على ذات العمل و إن جي ء به بداعي الأمر، لتمحض مدخول الفاء في الموضوعية بلا دخل لغيره. و المفروض ان مدخول الفاء هو ذات العمل.

و إذا ثبت ظهور الاخبار في جعل الثواب على

ذات العمل، كان كاشفا عن تعلق الأمر به بمقتضى الكبرى التي عرفت أنها مسلمة.

و ما ذكرناه هو غاية ما يمكن به تقريب استفادة الاستحباب من الأخبار.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 524

و هو قابل للمنع. و مرجع ما نريد أن ندعيه في مقام المنع إلى ان الجهة التي بها يستفاد الأمر من قبل جعل الثواب غير متوفرة فيما نحن فيه، فالإشكال في انطباق الكبرى المسلمة على ما نحن فيه.

و بيان ذلك: ان بيان الأمر ببيان الثواب أمر لا يقبل الإنكار- كما تقدم-، و الشواهد العرفية عليه كثيرة، و مثله بيان النهي ببيان العقاب، فان شواهده العرفية و الشرعية كثيرة.

و السر في استفادة الأمر و استكشافه من ترتب الثواب أحد أمرين:

الأول: دلالة الاقتضاء و الدلالة الالتزامية العرفية. ببيان: ان العمل- في موارد جعل العقاب- لا اقتضاء فيه بنفسه، لثبوت العقاب، فإثبات العقاب عليه كاشف عن تعلق النهي به ليكون الفعل معصية له، و هي موضوع ثبوت العقاب، فثبوت النهي في موارد جعل العقاب يستكشف بحكم العقل و دلالة الاقتضاء.

و أما جعل الثواب في مورد، فهو ليس بمستلزم عقلا لثبوت الأمر لتحقق الثواب مع الإتيان به رجاء، لكنه عرفا مستلزم للأمر، فان العرف يفهم من جعل الثواب جعل الأمر في المورد الّذي لا يقتضى ثبوت الثواب في حد نفسه، و هذا المعنى غير بعيد في اللغة العربية، فان بيان الملزوم ببيان اللازم ليس بعزيز، و الاستعمالات الكنائية منه.

إذن فاستفادة الأمر من جعل الثواب بالملازمة العرفية.

الثاني: ان جعل الثواب في مقام الترغيب على العمل و الحث عليه كاشف عن محبوبية العمل، و هي ملازمة للأمر، مع عدم العلم بثبوت الأمر سابقا.

و إلا فلا دلالة له إلا على

الترغيب على إطاعة الأمر السابق، و ذلك كترغيب الوعّاظ على فعل الواجبات ببيان الثواب عليها، ففي غير هذا المورد يكون الترغيب كاشفا عن المحبوبية و هي تلازم الأمر، لأنها مقتض له و المانع مفقود، لفرض كون المولى في مقام الترغيب الكاشف عن عدم المانع.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 525

و هذان الوجهان لا يتأتيان فيما نحن فيه:

أما الأول: فلأن العمل المأتي به بداعي احتمال الثواب- كما هو الفرض- يكون معنونا بعنوان الاحتياط و سببا لتحقق الانقياد، و في مثله لا ظهور للكلام عرفا في ثبوت الأمر بالعمل لقوة احتمال رجوع الثواب إلى الثواب على الانقياد أو الاحتياط، و هو ثابت في نفسه مع قطع النّظر عن الأمر.

و أما الثاني: فلأن أساسه على فرض المولى في مقام الترغيب. و هذا غير ثابت فيما نحن فيه، لأن الظاهر من ترتيب الثواب هاهنا انه في مقام التفضل و الإحسان و بيان ان المولى الجليل لا يخيّب من أملّه و رجاه، و لا يضيّع تعب من تعب لأجل الثواب الّذي تخيله أو رجاه تفضلا منه و منة، فلا ظهور له في الترغيب نحو العمل- و ان حصلت الرغبة فيه بعد ملاحظة هذا الوعد-. و هذا كثيرا ما يصدر عرفا فيقول القائل: «ان من قصد داري بتخيل وجود الطعام فيه لا أحرمه من ذلك و أطعمه»، فانه في مقام بيان علو همته و طيب نفسه و كمال روحيته، و ليس في مقام الترغيب إلى قصد داره، بل قد يكون كارها له لضيق ما في يده، و لكنه يتحلى بنفسية تفرض عليه عدم حرمان من أمّله و قصده.

و لو لم نجزم بظهور الأخبار فيما ذكرناه بملاحظة ما يشابهها من الأمثلة

العرفية، فلا أقل من الشك الموجب لإجمال الأخبار فلا تتم دلالتها على الاستحباب.

و هذا كما يكون إشكالا على الوجه الثاني يكون إشكالا على الوجه الأول، لأنه إذا كان في مقام التفضّل و الإكرام، فلا دلالة عرفية و لا عقلية على ان الثواب على العمل من جهة تعلق الأمر به، إذ لا ملازمة عرفا و لا عقلا بين الثواب التفضلي و الأمر. و إنما يستكشف الأمر إذا فرض كون ترتيب الثواب بعنوان الجزاء و الاستحقاق. فلاحظ.

فعمدة الإشكال على استفادة الأمر من هذه الاخبار هو، انها مسوقة في

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 526

مقام بيان تفضل اللّه سبحانه و تعالى على العباد و هو، لا يلازم ثبوت الأمر عقلا و لا عرفا. فتدبر.

و لعله إلى ما ذكرنا أشار الشيخ (قدس سره) في رسائله في آخر كلامه:

بان الاخبار المتكفلة لإثبات الثواب الخاصّ الّذي لا يحكم به العقل، لأنه إنما يحكم بأصل الثواب، انما تتكفله من باب التفضل، و انه من قبيل قوله تعالى:

مَنْ جٰاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثٰالِهٰا «1»، في كونه في مقام تفضل اللّه سبحانه و تعالى. و الآية الكريمة لو كانت وحدها أمكن دعوى كونها في مقام الترغيب في الحسنة، لكنها مقترنة بقوله تعالى: وَ مَنْ جٰاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلٰا يُجْزىٰ إِلّٰا مِثْلَهٰا «2»، و هو لا يتناسب مع كونه في مقام الترغيب، لأن لازم كونه في مقام الترغيب في الحسنات كونه في مقام الترهيب في السيئات. و الآية لا تتكفل الترهيب كما لا يخفى. و عليه فتحمل الآية على انه في مقام بيان تفضل اللّه سبحانه و تعالى في باب الحسنات و عدله في باب السيئات «3».

و بعد أن عرفت ما ذكرناه، تعرف أنه

لا وجه لما أورده المحقق الأصفهاني على الشيخ: بان ثواب اللّه سبحانه مطلقا تفضل منه و إحسان، إذ كونه تفضلا لا استحقاقا لا ربط له بما ذكرناه من وروده مورد بيان التفضل لا الترغيب في العمل.

كما ان ما أفاده (قدس سره) من ظهور النصوص في جعل الأمر لتكفلها ترتيب الثواب الخاصّ و هو مما لا يستقل العقل به إذا غاية ما يستقل به العقل هو أصل الثواب «4». غير سديد، فان الشيخ رحمه اللّه التفت إلى ذلك كما

______________________________

(1) سورة الأنعام، الآية: 160.

(2) سورة الأنعام، الآية: 160.

(3) الأنصاري المحقق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول- 230- الطبعة الأولى.

(4) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية 2- 223- الطبعة الأولى.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 527

عرفت عند نقل كلامه، و لكنه حمل الثواب هاهنا على التفضل، و قد عرفت عدم ملازمته للاستحباب.

و خلاصة الكلام: انه لا يمكننا استفادة الأمر أصلا من ترتب الثواب على العمل بعد ظهورها في مقام التفضل لا مقام الترغيب.

و أما ما أفاده المحقق النائيني (قدس سره):

أولا: من ظهور قوله: «فعمله» في الأمر بالعمل بلحاظ انها جملة خبرية واقعة في مقام الإنشاء، فتفيد الأمر، فهي بمنزلة قوله: «فاعمل».

و ثانيا: من كون الاخبار في مقام جعل حجية الخبر الضعيف في موارد الاستحباب، و استشهد على ذلك بفهم المشهور، إذ قد اشتهر على الألسنة التعبير بقاعدة التسامح في أدلة السنن «1».

ففيه: انه غير سديد.

أما الأول: فهو غريب في مثل هذا المثال، لا يساعده الفهم العرفي أصلا و لا شاهد عليه من الاستعمالات الشرعية أو العرفية، و لعل السر فيه ان الفاء هاهنا عاطفة لا للجزاء فقوله «فعمله» من توابع الشرط و ليس جزاء للشرط، و إلا

لم تدخل عليه الفاء، فلا دلالة على الأمر، إذ الجملة الخبرية انما تفيد الدلالة على الأمر إذا وقعت موقع التحريك و البعث، و الشرط بشئونه ليس كذلك، إذ هو بمنزلة الموضوع للحكم.

و من الواضح ان الموضوع بما هو موضوع يؤخذ مفروض الوجود بلا ان يكون المولى في مقام الدعوة إليه. نعم قد يصير المولى في هذا المقام بالنسبة إلى الموضوع فيأخذ الموضوع جزاء لشرط آخر. فتدبر جيدا فانه لا يخلو عن دقة.

و أما الثاني: فلا وجه له أصلا. و فهم المشهور لا حجية له. مع ان تعبيرهم

______________________________

(1) الكاظمي الشيخ محمد علي. فوائد الأصول 3- 412- طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 528

بالتسامح في أدلة السنن يلتئم مع الالتزام باستحباب العمل البالغ عليه الثواب، بل ما جاء في بعض النصوص من أخذ العمل مقيدا برجاء قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله ظاهر في عدم الحجية، إذ الحجية تلازم الجزم لا الترديد، فلا معنى لأن يؤخذ في موضوعها العمل المقيد بالرجاء.

كما أنه مما ينفي احتمال الحجية ما جاء في بعض النصوص أيضا من ترتب الثواب و ان لم يكن رسول اللّه صلى اللّٰه عليه و آله قد قاله، إذ الحجية ترجع إلى ما يساوق جعل الخبر طريقا إلى الواقع، و هذا لا يتناسب مع فرض عدم الواقع في موضوعها. فلاحظ.

و المتحصل: أن هذه النصوص لا تدل على الاستحباب، و لا على حجية الخبر الضعيف القائم على الاستحباب، فما بنى عليه المشهور لا أساس له.

و لو فرض الالتزام بظهور هذه النصوص في استحباب العمل الّذي بلغ عليه الثواب فهو بملاحظة النصوص المطلقة التي لم يقيد موضوع الثواب فيها بالإتيان التماسا للثواب الموعود

و نحوه.

و حينئذ قد يدعى رفع اليد عنها بواسطة ما دل على ترتيب الثواب على العمل المقيد باحتمال الثواب و التماسه حملا للمطلق على المقيد. و هذا إيراد آخر على استفادة استحباب العمل البالغ عليه الثواب.

و قد تفصي عن ذلك بوجهين:

الأول: ما أشار إليه المحقق النائيني- و إن لم يلتزم به- من أن حمل المطلق على المقيد لا يلتزم به في المستحبات، بل يلتزم باستحباب ذات المطلق و استحباب المقيد بما هو مقيد، بدعوى تعدد مراتب الاستحباب «1».

و هذا منه مبتن على فهم الاستحباب من الروايات المقيدة، لا الحكم

______________________________

(1) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم أجود التقريرات 2- 210- الطبعة الأولى.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 529

الإرشادي كما ذهب إليه صاحب الكفاية. فلا ينبغي الإيراد على ما أفاده بما يبتنى على فهم الحكم الإرشادي، بل إن كان هناك إيراد فينبغي ان يكون في المبنى.

الثاني: ما أشار إليه في الكفاية من عدم التنافي بين المطلق و المقيد، إذ المقيد يتكفل حكما إرشاديا إلى ما يحكم به العقل من حسن الانقياد و الاحتياط، فلا ينافي ما دلّ على استحباب ذات العمل كي يستلزم التصرف فيه و رفع اليد عنه «1».

و هذا منه مبتن على فهم الحكم الإرشادي من الدليل المقيد.

و يرد على كلا الوجهين بنحو الاشتراك ان الظاهر عرفا من ملاحظة النصوص بمجموعها المطلقة و المقيدة كونها في مقام بيان أمر واحد و شي ء فارد، فإذا فرض تحكيم المقيّد لأقوائية ظهوره في دخل القيد، فلا بد من الحكم باستحباب العمل المقيد خاصة- على مبنى النائيني- و الحكم بأن المراد من المطلق في المطلقات هو العمل الخاصّ، فتدل على حكم إرشادي على مبنى صاحب الكفاية. فتدبر.

______________________________

(1) الخراسانيّ

المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول- 353- طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 530

و ينبغي التنبيه على أمور: مبتنية على فهم الاستحباب من الأخبار المزبورة.

تنبيهات المسألة:

التنبيه الأول

: بناء على كون المستفاد من هذه الأخبار حكما فرعيا و هو استحباب العمل البالغ عليه الثواب، فموضوعه واقعا يتقوم بمن بلغه الثواب على العمل، فتشكل فتوى المجتهد باستحباب العمل الّذي بلغه الثواب عليه بقول مطلق بلا تقييد موضوع الاستحباب بمن بلغه الثواب، لعدم توفر الموضوع لدى مطلق المقلّدين، و لا تنفع أدلة التقليد و تنزيل المجتهد منزلة المقلد، فانها انما تفيد في ثبوت الحكم للمقلد إذا توفرت شروطه فيه، و من شروط هذا الحكم بلوغ الثواب على العمل، فإذا أراد المجتهد ان يفتي بالاستحباب فلا بد عليه ان يقيّد موضوع الاستحباب بالبالغ إليه الثواب، أو يتكفل إبلاغ مقلديه أولا بثبوت خبر ضعيف دال على رجحان العمل ثم يفتي باستحبابه.

و أما بناء على كون المستفاد حكما أصوليا و هو حجية الخبر الضعيف على الاستحباب، فيصح للمجتهد ان يفتي بالاستحباب بقول مطلق عند قيام الخبر، إذ بقيام الخبر لديه تقوم الحجة عنده على الحكم الشرعي، و ليس موضوعه مقيدا بشي ء، فيكون كما لو قام لديه خبر صحيح السند على استحباب عمل خاص، فيفتي بمضمون الخبر الضعيف لقيام الحجة لديه عليه، و هو كاف في مقام الإفتاء، كسائر موارد قيام الحجة لديه دون المقلّد. فلاحظ.

التنبيه الثاني

: في شمول النصوص لفتوى الفقيه باستحباب عمل، فهل يصح للفقيه الآخر الالتزام باستحبابه أو لا؟.

و التحقيق: ان الفتوى تارة يقال: انها عبارة عن الرّأي و النّظر و الاعتقاد.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 531

و أخرى يقال: انها عبارة عن الاخبار عن الحكم الشرعي لكن بتوسط حدس المجتهد و استنباطه لا بطريق الحس أو ما يلازمه عادة.

و بناء على الأول، يمتنع البقاء على تقليد المجتهد إذا مات لانقطاع رأيه و نظره

بالموت لتقومه بالحياة و الإدراك، فهو مما لا رأي له فعلا، فلا فتوى له فعلا و إن صدق أن رأيه كان كذا.

و أما على الثاني، فلا يمتنع البقاء لعدم تقوم الخبر بالحياة، بل الخبر باق بعد الموت، و لذا يصدق الخبر فعلا على اخبار صاحب الوسائل رحمه اللّه مع أنه ميّت و تحقيق ذلك في محله من الفقه.

فعلى الالتزام بالأول، لا يصدق بلوغ الثواب على الفتوى إذ البلوغ يتحقق بالأخبار، و المفروض ان المجتهد لا يخبر عن الواقع بل يقول: «رأيي كذا» و قد لا يطابق رأيه الواقع، فلا يصدق البلوغ على قوله المذكور.

و على الالتزام بالثاني، يصدق البلوغ لتحقق الاخبار، فيكون مشمولا لأخبار من بلغ.

و أما ما ادعي من ظهورها في الأخبار عن حس لا عن حدس فهو مما لا نرى له وجها عرفيا، فلا يمكننا الالتزام به. فالتفت.

التنبيه الثالث

: هل تشمل هذه الأخبار الخبر القائم على الأمر الضمني أو لا؟ و على تقدير شمولها له هل تتكفل إثبات الأمر الضمني أو لا؟ و فائدة ذلك فيما لو تكلفت إثبات الأمر الضمني هو ترتب أثر الأمر الضمني على ما قام على جزئيته خبر ضعيف كغسل مسترسل اللحية، فيجوز المسح ببلله، لأنه من أفعال الوضوء.

بخلاف ما إذا لم تشمل الأخبار الاخبار بالأمر الضمني، أو لم تتكفل سوى إثبات استحبابه النفسيّ في ضمن العمل للأمر الضمني، فانه لا يجوز المسح ببلله لأنه ليس ببلل الوضوء.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 532

إذن فجواز المسح ببلل مسترسل اللحية يتوقف على مقدمتين: إحداهما:

شمول الأخبار للأمر الضمني. و الأخرى: إثباتها له.

و غاية ما يمكن أن يقال في إثبات ذلك هو: ان الظاهر من الأخبار هو استحباب الشي ء على النحو

الّذي دلّ عليه الخبر الضعيف من كونه نفسيا استقلاليا أو جزء واجبا أو مستحبا لأمر واجب أو مستحب.

و هذه الدعوى مردودة لوجوه:

الأول: ان بلوغ الثواب لا يصدق ببلوغ الأمر الضمني، إذ لا ثواب عليه، بل الثواب واحد على الكل و لا يتوزع.

الثاني: لو فرض ان الثواب يتوزع بحيث تلحق كل جزء حصة من الثواب، فظاهر النصوص- بملاحظة تنكير الثواب فيها- هو كون الموضوع بلوغ ثواب خاص من حيث الكمية أو النوعية، أما بلوغ ترتب أصل الثواب، فلا أثر له.

و من الواضح ان بلوغ الثواب على الأمر الضمني- بعد الفرض المزبور- من قبيل الثاني لا الأول فلا تشمله الأخبار.

و هذه نكتة دقيقة توجب التوقف في الحكم باستحباب كثير من الأمور التي قام على استحبابها خبر ضعيف، إذ الاخبار بالاستحباب اخبار بأصل الثواب لا بخصوصيته، فلا تشمله أخبار من بلغ، فالتفت إليها و لا تغفل عنها.

الثالث: انه لو فرض شمولها للإخبار بالأمر الضمني، فلا ظهور لها في أكثر من استحباب العمل في ضمن المركب، و هو أعم من كونه جزء له أو مستحبا نفسيا في ضمنه، إذ ما يلازم ترتب الثواب هو أصل ثبوت الأمر- بالوجهين السابقين-، أما خصوصية كونه ضمنيا، فلا طريق إلى إثباتها بواسطة ترتب الثواب. فكيف يدعي تكفل الأخبار إثبات استحباب الشي ء بالنحو الّذي قام عليه الخبر الضعيف؟.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 533

و عليه، فلا تترتب آثار الأمر الضمني على ما قام الخبر على جزئيته، بل انما تترتب آثار استحبابه بقول مطلق.

نعم، يمكن سلوك طريق آخر لإثبات جزئية ما قام الخبر الضعيف على جزئيته، و هو أن يقال: إن الخبر الدال على الأمر الضمني بعمل يدل بالملازمة على ترتب الثواب على العمل

المركب من هذا الجزء و سائر الاجزاء، و مقتضى ذلك ثبوت استحباب المركب من هذا الجزء و غيره مما هو معلوم الجزئية. فتثبت جزئية المشكوك بهذه الوسيلة. فلاحظ.

التنبيه الرابع

: في شمول الاخبار للخبر الضعيف القائم على الوجوب أو الحرمة أو الكراهة.

و تحقيق ذلك:

أما مورد القيام الخبر على الوجوب، فقد يدعى شمول الاخبار له فيثبت به استحباب العمل بتقريب: ان الاخبار بالوجوب اخبار بترتب الثواب على العمل بالملازمة، لأنه راجح فلا يختلف عن الاخبار بالاستحباب. فيصدق بلوغ الثواب على العمل فيكون مستحبا بمقتضى هذه الاخبار.

هذا بناء على استفادة الاستحباب من الأخبار. أما بناء على استفادة الحجية فقد يشكل الأمر، لأن الخبر الضعيف الثابت حجيته بأخبار من بلغ يدل على الوجوب، و مقتضى ذلك ثبوت الوجوب به لا الاستحباب.

و قد تفصي عن ذلك بالالتزام بالتبعيض في مدلوله، بان يكون حجة على إثبات أصل الرجحان لا الرجحان الخاصّ، بنحو اللزوم لقيام الإجماع على عدم حجية الخبر الضعيف في إثبات الوجوب. فتدبر.

و لكن الحق عدم شمول أخبار من بلغ لهذا المورد لظهورها في كون الداعي إلى العمل هو تحصيل الثواب، بمعنى أن موضوعها ما يتفرع العمل فيه على بلوغ الثواب طبعا و عادة، بحيث يكون الداعي هو الثواب.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 534

و الأمر في الواجبات ليس كذلك، إذ الداعي إلى فعل الواجب عادة و طبعا هو الفرار عن مفسدة تركه و هو العقاب، لا الوقوع في مصلحة فعله و هو الثواب. فلا يكون الاخبار بالوجوب مشمولا لهذه القاعدة، لما عرفت من اختصاص موضوعها بما يؤتى به بداعي الثواب عادة، و هو خصوص المستحبات، لعدم الإتيان بالواجب عادة بداعي الثواب و إن أمكن حصوله أحيانا. فالتفت.

و أما

مورد قيام الخبر الضعيف على حرمة عمل، فانه قد يقال انه يدل على ترتب الثواب على تركه، فيثبت استحباب الترك بمقتضى أخبار من بلغ.

و لكن الحق عدم شمول أخبار من بلغ للمحرمات لوجهين:

أحدهما: ما تقدم في الواجبات من ظهور الاخبار في كون موضوعها ما يؤتى به بداعي الثواب عادة و هو لا ينطبق على المحرمات، إذ الامتثال فيها لا يكون بداعي حصول الثواب عادة، بل بداعي الفرار عن العقاب.

و الآخر: التوقف في صدق بلوغ الثواب في موارد التحريم بالأخبار به.

أما على القول بان النهي عبارة عن الزجر عن الفعل- كما هو المشهور- فواضح، إذ لا ظهور في الزجر عن الفعل إلا في الصدّ عن مغبّة العمل و مفسدته، بحيث يستحق اللوم و العقاب على الفعل، فالاخبار بالزجر لا يكون اخبارا بترتب الثواب على الترك، و ان ترتب عليه بحكم العقل لأجل الامتثال، لكنه أجنبي عن ظهور اللفظ عرفا في الوعد على الثواب.

و أما على القول بأنه عبارة عن طلب الترك- كما هو المختار تبعا لصاحب الكفاية «1»-، فقد يتوهم انه ظاهر في رجحان الترك، و هو ملازم لترتب الثواب.

و لكن نقول: ان طلب الترك في المحرمات انما هو بملاك وجود المفسدة

______________________________

(1) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم كفاية الأصول- 369- طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 535

في الفعل لا المصلحة فيه، و إلاّ كان واجبا، و لم ترد أدلة تدل بالمطابقة على ترتب الثواب على ترك المحرمات- حتى يستلزم ذلك الملازمة العرفية بين الحرمة و ترتب الثواب على الترك- بخلاف فعل الواجبات فقد بيّن ترتب الثواب عليها كثيرا-.

نعم، دلّ الدليل على ترتب الثواب على جهاد النّفس و الصبر على

المحرم، و لكنها فعلان وجوديان مستحبان أو لازمان، فلا ربط لذلك بالثواب على ترك الحرام. و قد تعارف بيان المحرمات بترتيب العقاب على الفعل.

و عليه، فلا ظهور لطلب الترك- بنحو اللزوم بملاك المفسدة في الفعل- إلا في التحرز عن مفسدة الفعل، فلا ظهور له عرفا في ثبوت الثواب عليه. و مجرد ترتب الثواب عقلا على الامتثال لا يلازم الظهور العرفي للدليل الموجب لصدق البلوغ كما عرفت. فتدبر.

و أما مورد قيام الخبر الضعيف على الكراهة فقد يقال في وجه شمول الأخبار له: ان داعوية الأمر إلى العمل و محركيته نحوه بما هو أمر و طلب لا تتحقق إلا بلحاظ ما يترتب على المخالفة من أثر شي ء مكروه أو ما يترتب على الموافقة من أثر حسن مرغوب فيه. و الأول ثابت في الأمر الوجوبيّ و النهي التحريمي.

و الثاني في الأمر الاستحبابي و النهي التنزيهي المعبر عنه بالكراهة، إذ لا يترتب على مخالفة الكراهة العقاب، فلا بد أن يترتب على موافقته الثواب، ليصح النهي بلحاظه، لصلاحيته للداعوية بذلك.

و الإتيان بالعمل أو تركه بلحاظ الأثر الوضعي لا يصحح داعوية الأمر أو النهي، إذ الأثر الوضعي لا يرتبط بالأمر و النهي و موافقتهما و مخالفتهما بما هما أمر أو نهي.

و عليه، فهناك تلازم عقلا بين الكراهة و ترتب الثواب على الموافقة، فيكون الاخبار بالكراهة إخبارا بترتب الثواب بالملازمة.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 536

و لكن الحق هو عدم شمول أخبار من بلغ لموارد الكراهة، إذ لا ظهور عرفا للدليل الدال على الكراهة في ترتب الثواب، و إنما التلازم عقلي على ما بيّن، و هو لا يصحح الظهور العرفي الّذي يستند إلى فهم العرف للملازمة لا إلى حكم العقل بها.

و

الغالب في مواقع بيان الكراهة هو بيانها بترتب المفاسد الوضعيّة على الفعل، و قلّ مورد- ان لم ينعدم- بيّن فيه النهي التنزيهي بعنوان ترتب الثواب على الترك مطابقة.

فإذا ثبت ذلك، يظهر عدم صدق بلوغ الثواب عند الاخبار بالكراهة، فلا تشمله أخبار من بلغ.

و هذا هو العمدة في منع شمول الاخبار للخبر القائم على الكراهة.

فانتبه.

التنبيه الخامس

: ذكر المحقق العراقي (قدس سره): انه يعتبر في صدق البلوغ ظهور اللفظ في المعنى، فمع إجماله لا يصدق البلوغ، و عليه فيعتبر عدم اتصاله بقرينة توجب سلب ظهوره.

و أما قيام القرينة المنفصلة على الخلاف، فلا يضر في صدق البلوغ، كما لو قام خبر ضعيف على استحباب إكرام كل عالم، و قام خبر آخر على عدم استحباب إكرام النحويين، فانه بمقتضى اخبار من بلغ يحكم باستحباب إكرام الجميع، لأن المخصص المنفصل لا يستلزم انثلام ظهور العام في العموم، و إنما يستلزم عدم حجيته فيه، مع بقاء ظهوره على حاله، فيصدق بلوغ استحباب إكرام الجميع مع قيام المخصص المنفصل، و هكذا الحال في ما إذا كان نسبة المعارض المنفصل نسبة التباين.

هذا في فرض كون الخبر القائم على خلاف الاستحباب غير معتبر في نفسه.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 537

أما إذا كان حجة في نفسه، فقد يتوهم عدم شمول القاعدة- أعني قاعدة التسامح- حينئذ للخبر الدال على الاستحباب، باعتبار ان دليل الحجية يتكفل تتميم الكشف الراجع إلى إلغاء احتمال الخلاف، فيقطع تعبدا بعدم استحبابه.

و عليه، فلا يصدق البلوغ الّذي هو موضوع الحكم بالاستحباب، فيكون دليل الحجية حاكما على أخبار من بلغ.

و لكنه توهم فاسد، لعدم التنافي بينهما لعدم ورود النفي و الإثبات فيهما على موضوع واحد، فان مفاد أخبار من بلغ هو

استحباب العمل بعنوان ثانوي، و هو عنوان بلوغ الثواب، و مفاد الخبر المعتبر عدم استحباب العمل بعنوانه الأولي، فلا تنافي بينهما كما هو واضح.

هذا خلاصة ما أفاده (قدس سره) مما يهمنا ذكره، بتوضيح منّا «1».

أقول: مقتضى التحقيق أن يجعل محل البحث في مورد قيام القرينة المنفصلة، هو ما إذا كان كل من دليلي العموم و الخصوص حجة في نفسه، فيبحث في أنه هل يتمسك بأخبار من بلغ في إثبات استحباب ما قام الدليل المعتبر الخاصّ على عدم استحبابه، أو لا يتمسك بها لعدم شمولها لمثل هذا المقام؟.

و ذلك لأن المورد الّذي يرد فيه حديث انقلاب الظهور العمومي و انثلامه بورود المخصص المنفصل فلا يصدق البلوغ و عدمه فيصدق البلوغ، هو ذلك المورد، دون ما إذا كان كلا الدليلين غير معتبرين أو كان أحدهما كذلك. و ذلك لأن مناط حمل المطلق على المقيد- ظهورا أو حجية- فيما إذا استند الكلامان إلى متكلم واحد. و أما مع عدم صدورهما من متكلم واحد، فلا تنافي بينهما كي يكون أحدهما قرينة على الآخر، فهل هناك تناف بين أمر زيد عمرا بشي ء عام، و نهي عمرو خالدا عن بعض افراد ذلك الشي ء؟. و هل يتخيل أحد التصرف في

______________________________

(1) البروجردي الشيخ محمد تقي. نهاية الأفكار 3- 283- طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 538

العام الصادر من زيد لأجل صدور الخاصّ من عمرو.

و لا يخفى أنه مع عدم حجية الدليلين أو أحدهما، لا يثبت صدور الكلامين من واحد، فلا وجه لحمل أحدهما على الآخر، فكيف يتوهم التصرف في ظهور العام مع عدم ثبوت صدور الخاصّ من الإمام عليه السلام؟. كما أنه لا يتوهم التصرف في ظهور العام

الّذي لا تعلم حجيته و صدوره من الإمام عليه السلام بواسطة الخاصّ المعلوم الصدور؟.

و هذا هو الوجه في التوقف لا ما يتخيل من أنه لا مجال لأصالة الظهور مع عدم اعتبار السند، كما لا مجال لاعتبار السند مع إجمال الدليل، و لذا يلتزم بعدم شمول أدلة حجية الخبر للخبر الصحيح المجمل في ظهوره، فانه تخيل فاسد لأن عدم التعبد بصدور الخبر المجمل إنما هو لعدم ترتب أثر عليه.

أما حجية الظهور في مورد ضعف الخبر، فلا محذور فيها بعد ترتب أثر عملي على تشخيص الظهور و معرفة مراد المتكلم، و هو صدق بلوغ الثواب الّذي عرفت أنه موضوع الحكم بالاستحباب، إذ ما لم تكن للكلام كاشفية عن مراد المخبر وجدانا أو تعبدا لم يتحقق صدق البلوغ، فلا مانع من إجراء أصالة الظهور في كلامه بلحاظ الأثر المزبور، و لذا يتمسك بأصالة الظهور مع العلم بكذب المخبر، فينسب له الكذب على الإمام عليه السلام استنادا إلى حجية ظهور كلامه في تشخيص مراده لترتيب آثار الكذب على الإمام عليه السلام.

و إذا ظهر ما ذكرناه فيقع الكلام في حكم الصورة التي بيناها.

و الحق عدم شمول أخبار من بلغ لمورد الخاصّ، لأن تقديم المقيد على المطلق الراجع إلى بيان قصر المراد الجدي للعام على غير مورد الخاصّ موجب لعدم صدق بلوغ الثواب بالنسبة إلى مورد الخاصّ، إذ صدق البلوغ يتوقف على كاشفية الكلام عن المراد الجدي- و لو لم يكن حجة-.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 539

أما إذا لم يكن كاشفا عن المراد الجدي- كما لو صرح المتكلم بان مرادي الجدي ليس على طبق ما تكلمت و لم أكن في مقام بيانه- فلا يصدق البلوغ.

و عليه، فمع تقديم المقيد-

بضميمة أن الكلام المتعدد الصادر من الأئمة عليهم السلام بمنزلة كلام واحد يفسر بعضه بعضا- يكشف ذلك عن أن المخبر عن الإمام عليه السلام بالمطلق أو العام لم يكن قصده الاخبار عن المطلق أو العام جدّاً. و لم يكن قاصدا الحكاية عن ان المراد الجدي هو العموم، فلا يصدق بلوغ الثواب على مورد التخصيص.

و أما مورد التعارض، و كون الخبر المعارض حجة كما إذا قام خبر ضعيف على الاستحباب و قام خبر صحيح على عدم الاستحباب، و ما يدخل فيه ما إذا قام الخبر الضعيف على الاستحباب بنحو العموم و قام الخبر الصحيح على عدمه في مورد خاص- إذ عرفت انه ليس من موارد الجمع الدلالي-، فقد يتخيل دعوى الحكومة بالتقريب السابق المذكور في كلام العراقي (قدس سره).

و لكن فيه: ان البلوغ يساوق الاخبار. و من الواضح ان العمل بأحد الدليلين لحجيته سندا الراجع إلى إلغاء احتمال الخلاف سندا، لا ينتفي به صدق الاخبار بالاستحباب جدا في موارد الخبر الضعيف، فيصدق البلوغ و بالجملة: في مورد تقديم الخاصّ من حيث الدلالة لا يصدق البلوغ. و أما في مورد تقديمه سندا بلا تصرف في مدلول العام أو الدليل الآخر، فيصدق البلوغ لتحقق الاخبار بالثواب جدا.

و أما ما أفاده (قدس سره) في دفع الحكومة بعدم التنافي لتعدد الموضوع فهو عجيب منه (قدس سره)، إذ لا يفرض التنافي بين الحاكم و المحكوم، و لذا يقدّم الحاكم على المحكوم، كما أن الدليل الحاكم المتصرف في الموضوع لا يرد على ما يرد عليه المحكوم، بل هو يستلزم التصرف في موضوعه.

و بالجملة: دليل حجية الخبر الصحيح- بمقتضى الدعوى- يستلزم رفع

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 540

صدق البلوغ. فالجواب عنه

بان الخبر الصحيح يتكفل الاستحباب بالعنوان الأولي فلا ينافي اخبار من بلغ. غير جار على الأسس الصناعية في جواب مثل الدعوى، فان المدعى فرض حكومة دليل الاعتبار على اخبار من بلغ لاستلزامه رفع موضوعها، فأي ربط لذلك ببيان مدلول الخبر المعتبر؟!. فالتفت و لا تغفل.

التنبيه السادس

: في شمول اخبار من بلغ للاخبار بالفضائل التي يتحلى بها الأئمة صلوات اللّه عليهم) و مناقبهم. و الاخبار بالمراقد الشريفة. و قد حكي عن الشهيد الثاني نسبته إلى الأكثر «1». و حكي عن الشيخ رحمه اللّه الذهاب إليه في رسالته «2».

و تقريب الشمول: هو ان العمل بكل شي ء على حسب ذلك الشي ء فالعمل بالخبر القائم على الفضيلة نشرها، و العمل بالخبر القائم على ان هذا المكان مرقد الإمام عليه السلام هو الحضور عنده، فيكون الاخبار بالموضوع إخبارا بالملازمة عن استحباب العمل المتعلق به من فعل أو قول، فتشمله أخبار من بلغ بلحاظ المدلول الالتزامي من استحباب النقل أو الحضور عنده أو غيرهما.

و إلا فنفس الموضوع المخبر به لا معنى لأن يكون مما بلغ فيه الثواب، إذ الثواب على العمل لا على الموضوع.

أقول: لا يخفى أن هذه الأخبار لا تشمل ما إذا كان المورد في نفسه و مع قطع النّظر عنها قبيحا عقلا أو عقلا و شرعا.

و السرّ فيه هو ظهورها في كون مجرد بلوغ الثواب محركا للمبلغ نحو العمل و داعيا إليه.

______________________________

(1) الشهيد الثاني زين الدين- الدراية- 29 طبعة النجف.

(2) المحقق الشيخ محمد حسن الآشتياني- بحر الفوائد 2- 71. الطبعة الأولى.

القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، ج 4، ص: 541

و من الواضح أن بلوغ الثواب على ما هو قبيح عقلا أو شرعا لا يكون محركا للعبد نحو العمل، و لا يصدر

العمل منه بداعي الثواب بمجرد بلوغه، فالأخبار لا تشمل مثل هذا المورد.

و عليه نقول: إذا كان العمل المتعلق بالموضوع المخبر به من مقولة القول، كنشر الفضيلة و نقل المصيبة و نحوهما. أشكل شمول اخبار من بلغ للاخبار باستحبابه، و ذلك لأن النقل و الاخبار بما لا يعلم مطابقته للواقع قبيح، لأنه كذب محرم شرعا و عقلا، بناء على ان الكذب هو الاخبار بما لا يعتقد مطابقته للواقع لا ما يعتقد مخالفته فيكون التقابل بينه و بين الصدق تقابل العدم و الملكة.

و أما بناء على ان الكذب عدم مطابقة المخبر به للواقع و الصدق هو المطابقة- فيكون التقابل بينهما تقابل التناقض أو التضاد، أن أريد من عدم المطابقة المخالفة للواقع-، فما لا يعلم أنه مطابق لا يعلم أنه صدق أو كذب، فلا يحرم شرعا لأصالة البراءة، لأنه شبهة موضوعية، و لكنه قد يقال بقبحه عقلا بدعوى ان الأخبار بما لا يعلم مطابقته يقبح عقلا.

و قد يذكر ذلك بدعوى ان الشي ء ما لم يرجع إلى الظلم لا يكون قبيحا عقلا، و لا يصدق الظلم على مجرد الاخبار بما لا يعلم مطابقته إذا لم يترتب عليه ضرر على نفسه أو غيره.

و الصحيح ان يقال في وجه حرمته و قبحه عقلا: إن كل ما لا يعلم انه كذب يكون طرفا لعلم إجمالي بحرمة الاخبار به أو بنقيضه أو ضده للعلم بعدم مطابقة أحدهما للواقع فيكون كذلك، فإذا لم يعلم بمجي ء زيد، يعلم إجمالا بان الاخبار به أو الاخبار بعدم مجيئه حرام واقعا لخلو الواقع عن أحدهما، فهو يعلم ان الكذب لا يخرج عن أحدهما. و هو علم إجمالي منجز فيستلزم حرمة كل من الطرفين عقلا. فلاحظ و تدبر.

القواعد الفقهية

(منتقى الأصول)، ج 4، ص: 542

هذا تمام الكلام في قاعدة التسامح. و به ينتهي الكلام عن التنبيه الثاني من تنبيهات مسألة البراءة.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، 3 جلد، چاپخانه امير، قم - ايران، اول، 1413 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.